ترامب يعود للبيت الأبيض- تحديات أكبر وعالم متغير

المؤلف: جيرار ديب10.03.2025
ترامب يعود للبيت الأبيض- تحديات أكبر وعالم متغير

أعلن دونالد ترامب، وسط ابتهاج أنصاره، تحقيق "نصر سياسي منقطع النظير" سيعيد لأمريكا عظمتها الغابرة، مؤكدًا بشغف أن "أمريكا على أعتاب عصر ذهبي جديد".

في خطابٍ حماسي ألقاه من مقر حملته الانتخابية الصاخب في فلوريدا، ومع تفوقه الواضح في التصويت الشعبي واقترابه من حسم أصوات المجمع الانتخابي لصالحه بحصده 267 صوتًا مقابل 224 لمنافسته الديمقراطية كامالا هاريس قبل الإغلاق الرسمي لجميع صناديق الاقتراع، أعلن المرشح الجمهوري دونالد ترامب فوزه المدوّي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم

list 2 of 2

"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟

end of list

لقد خاض ترامب هذه المعركة الرئاسية الثالثة في خضم عالم يعج بالتوترات السياسية والأمنية المتفاقمة، وذلك بعد أن تبنت إدارة الرئيس السابق جو بايدن سياسة "الاحتواء" تجاه كل من الصين وروسيا، بالإضافة إلى دعمها الراسخ لإسرائيل في صراعها مع إيران وحلفائها في الشرق الأوسط.

في المقابل، أكدت كل من روسيا والصين أن قرار بناء نظام عالمي جديد قد اتُخذ بالفعل وأنه لا رجعة فيه، وأن القرارات الهامة التي تمخضت عن قمة مجموعة "بريكس" التي عُقدت في قازان الروسية في أكتوبر الماضي، بما في ذلك إيجاد عملة تجارية بديلة عن الدولار الأمريكي، قد دخلت حيز التنفيذ الفعلي.

وفي هذا السياق، يتبادر إلى الأذهان تساؤل جوهري: ما هو المسار الذي سيسلكه ترامب للعودة إلى "أمريكا العظيمة" التي يتوق إليها؟ وماذا عن "العصر الذهبي الأمريكي" الذي بشر به في حقبة زمنية تقف على أعتاب حقبة ما بعد "الأمركة"؟

صحيح أن "ترامب فاز"، ولكن فوزه بولاية رئاسية ثانية يختلف جوهريًا عن فوزه في ولايته الأولى. ففي السابق، كان ترامب شخصية غير مألوفة في الساحة السياسية العالمية، قادمًا من عالم المال والأعمال. أما اليوم، فقد بات العالم بأسره على دراية بكيفية تفكيره وبالخطوات التي سيقدم عليها في البيت الأبيض، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الملتهبة التي تتفاعل في مختلف الساحات الدولية. لذا، فقد استعد العالم لهذه الاحتمالات، وتعلقت آمال كبيرة على ترامب لتحقيق تطلعاته.

إن عالم اليوم يختلف اختلافًا جذريًا عن عالم عام 2020 عندما غادر ترامب البيت الأبيض. والأصوات التي حصدها ترامب في انتخابات عام 2016 لم يتمكن من الحصول عليها بالكامل في انتخابات عام 2020، مما أدى إلى خسارته المعركة أمام بايدن.

واليوم، ومع إعلانه الفوز، يجب على مستشاريه أن يدركوا تمام الإدراك أن نسبة الأصوات التي أوصلته إلى سدة الرئاسة لا تعني بالضرورة أنها تؤيد سياساته بشكل كامل، ولا تعني أنها تصدق جميع الوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية. بل على العكس من ذلك، قد تكون هذه الأصوات بمثابة عائق كبير أمام سياساته الداخلية والخارجية إذا ما تنصل من الوعود التي قطعها على نفسه، وعلى رأس هذه الأصوات تبرز أصوات الجالية العربية والإسلامية في الداخل الأمريكي.

يشكل أسلوب شخصية ترامب في الدبلوماسية الخارجية الأمريكية مصدر قلق بالغ، لا سيما فيما يتعلق بعلاقات بلاده مع حلف شمال الأطلسي وروسيا. ففي حين يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن وصول ترامب إلى سدة الرئاسة قد يمثل بارقة أمل لإنهاء الصراع الدائر في شرق أوروبا، يعتبر حلف الناتو أنه مستعد لجميع السيناريوهات المحتملة، ولا سيما تلك التي تضمنت تهديدات مباشرة من ترامب بوجوب تسديد الدول الأعضاء لالتزاماتها المالية، وإلا فإن واشنطن ستضطر إلى الانسحاب من الحلف.

هنأ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب بفوزه في الانتخابات، معربًا عن ثقته بأنه سيحافظ على قوة الحلف، ومؤكدًا: "إننا نتطلع إلى العمل مع ترامب لتعزيز السلام والأمن العالميين".

يبدو أنه لا يوجد خيار أمام ترامب سوى المضي قدمًا في سياسة "فك الارتباط" بحلف الناتو، لا سيما بعد أن وقفت روسيا في وجه أمريكا العظمى التي يحلم ترامب بعودتها إلى عصرها الذهبي. فالانعزالية الأمريكية عن أوروبا لن تضعف أوروبا بقدر ما ستجعل روسيا أقوى، وهنا يكمن التهديد الحقيقي للولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية.

ولمواجهة هذه التحديات، اتخذت الدول الأوروبية خطوات استباقية، حيث زادت حوالي 2% من ناتجها القومي لتمويل موازنات الدفاع في أغسطس الماضي، كما تتجه الدول الأوروبية نحو تنشيط ترساناتها العسكرية بشكل يواكب التحديات المتزايدة على الساحة الدولية.

الوضع اليوم في ولاية ترامب الثانية يبدو أكثر تعقيدًا بالنسبة لواشنطن في علاقاتها مع روسيا. فالتصريحات التي أدلى بها ترامب سابقًا والتي أعطت حافزًا لروسيا نحو تنمية نفوذها، تضع ترامب اليوم أمام معضلة حقيقية على الساحة الدولية. فهو في موقف لا يستطيع فيه محاكاة روسيا من خلال التوصل إلى تفاهمات مشتركة، وفي الوقت نفسه يعلن الحرب على الصين وإيران. ذلك لأن الحرب في أوكرانيا قد سرعت وتيرة التقارب بين الدول الثلاث، وحولت تحالفها إلى حلف مقدس، وأرست شراكة استراتيجية لا مثيل لها على الساحة الدولية.

ولذلك، لن يستطيع ترامب التخلي عن عضوية بلاده في حلف الناتو، لأنه رفع سقف التحدي عاليًا مع كل من إيران والصين. فإعلانه أن إيران كانت وراء محاولة اغتياله ما هو إلا لغة تنذر بصراع وشيك مع النظام القائم في طهران. كما أنه هو من فتح باب المواجهة مع الصين قبل بايدن، وما فرض العقوبات على شركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي" إلا مثال صارخ على عمق الخلافات بين العملاقين الصيني والأمريكي.

لقد حفزت وعود ترامب الانتخابية بعض الناخبين العرب والمسلمين على انتخابه، انطلاقًا من اعتقاد راسخ بأن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط يعود في المقام الأول إلى سياسة بايدن الداعمة لإسرائيل. ولكن في الواقع، هناك مغالطة واضحة في هذا الاعتقاد، ذلك أن ما يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس إلا تنفيذًا لما وافق عليه ترامب في ولايته الأولى من خلال "صفقة القرن" المشؤومة ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.

ولم يكن من قبيل الصدفة أن يقيل نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت عشية الانتخابات الأمريكية، الثلاثاء الخامس من نوفمبر الجاري. فموضوع الإقالة، ورغم أنها شكلت صفعة قوية لأهالي المحتجزين الذين طالبوا بعصيان مدني لعزل نتنياهو، إلا أنها حملت في طياتها رسالة واضحة إلى الجانب الأمريكي، مفادها أن إقالة غالانت، وقبله وزير الدفاع السابق بيني غانتس المقربين من الديمقراطيين، هي بمثابة "فك الارتباط" بين نتنياهو والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة.

ومن جهة أخرى، فإن تعيين يسرائيل كاتس اليميني المتطرف مكان غالانت يشكل أيضًا دلالة واضحة على أن حكومة نتنياهو المتطرفة تتلاقى مع اليمين الصاعد في أمريكا بشخص ترامب، وأنها تستعد لتطبيق ما وافق عليه ترامب سابقًا في الشرق الأوسط، ألا وهي "الدولة الإسرائيلية القومية وعاصمتها القدس".

يحمل ترامب أحلامًا جمة إلى البيت الأبيض، ولكن العقبات التي تعترض طريق تحقيقها باتت أصعب وأكثر تعقيدًا. وما كان يهدد به في ولايته الأولى قد يصبح مجرد أمنيات بعيدة المنال في ولايته الثانية. ولذلك، فإن الأمر برمته يتوقف على حكمة ورؤية القيادة التي ستتولى زمام الأمور في البيت الأبيض.

فعلى ما يبدو، ترامب 2016 يختلف عن ترامب 2024، فالمراحل العمرية تلعب دورًا حاسمًا في اتخاذ القرارات المصيرية. فهل سنجد بايدن آخر لإدارة القوى العظمى في العالم؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة